الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)} {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} على التوحيد وغيره مما وجب عليهم {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملئكة} عند الموت {أَن} بأن {لا تَخَافُواْ} من الموت وما بعده {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على ما خلفتم من أهل وولد فنحن نخلفكم فيه {وَأَبْشِرُواْ بالجنة التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.
{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الحياة الدنيا} أي نحفظكم فيها {وَفِي الأخرة} أي نكون معكم فيها حتى تدخلوا الجنة {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} تطلبون.
{نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} {نُزُلاً} رزقاً مُهَيَّأً منصوب بجعل مقدّراً {مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} أي الله.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً} أي لا أحد أحسن قولاً {مِّمَّن دَعَا إِلَى الله} بالتوحيد {وَعَمِلَ صالحا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين}.
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} {وَلاَ تَسْتَوِى الحسنة وَلاَ السيئة} في جزاءاتهما، لأن بعضهما فوق بعض {ادفع} السيئة {بالتى} أي بالخصلة التي {هِىَ أَحْسَنُ} كالغضب بالصبر والجهل بالحلم والإِساءة بالعفو {فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} أي فيصير عدوّك كالصديق القريب في محبته إذا فعلت ذلك، فالذي مبتدأ، وكأنه الخبر، وإذا ظرف لمعنى التشبيه.
{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} {وَمَا يلقاها} أي يؤتى الخصلة التي هي أحسن {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَمَا يلقاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ} ثواب {عظِيمٍ}.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)} {وَإِمَّا} فيه إدغام نون «إن» الشرطية في ما الزائدة {يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} أي يصرفك عن الخصلة وغيرها من الخير صارف {فاستعذ بالله} جواب الشرط وجواب الأمر محذوف، أي يدفعه عنك {إِنَّهُ هُوَ السميع} للقول {العليم} بالفعل.
{وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} {وَمِنْ ءاياته اليل والنهار والشمس والقمر لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ واسجدوا لِلَّهِ الذى خَلَقَهُنَّ} أي الآيات الأربع {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} {فَإِنِ استكبروا} عن السجود لله وحده {فالذين عِندَ رَبِّكَ} أي فالملائكة {يُسَبِّحُونَ} يصلون {لَهُ باليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ} لا يملّون.
{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} {وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة} يابسة لا نبات فيها {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت} تحرّكت {وَرَبَتْ} انتفخت وعلَت {إِنَّ الذى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ}.
{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)} {إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ} من ألحد ولحد {فِى ءاياتنا} القرآن بالتكذيب {لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فنجازيهم {أَفَمَن يلقى فِى النار خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءَامِناً يَوْمَ القيامة اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تّعْمَلُونَ بَصِيرٌ} تهديد لهم.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} القرآن {لَمَّا جَاءَهُمْ} نجازيهم {وَإِنَّهُ لكتاب عَزِيزٌ} منيع.
{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} أي ليس قبله كتاب يكذبه ولا بعده {تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي الله المحمود في أمره.
{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)} {مَّا يُقَالُ لَكَ} من التكذيب {إِلاَّ} مثل {مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} للمؤمنين {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} للكافرين.
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)} {وَلَوْ جعلناه} أي الذكر {قُرْءَاناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ} هلاّ {فُصِّلَتْ} بُينت {ءاياته} حتى نفهمها؟ {أَ} قرآن {أَعْجَمِىٌّ وَ} نبيّ {عَرَبِىٌّ}؟ استفهام إنكار منهم بتحقيق الهمزة الثانية وقلبها ألفاً بإشباع ودونه {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى} من الضلالة {وَشِفَاءٌ} من الجهل {والذين لاَ يُؤْمِنُونَ فِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ} ثقل فلا يسمعون {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} فلا يفهمونه {أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} أي هم كالمنادَى من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به.
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)} {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى الكتاب} التوراة {فاختلف فِيهِ} بالتصديق والتكذيب كالقرآن {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا فيما اختلفوا فيه {وَإِنَّهُمْ} أي المكذبين به {لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} مُوقع في الريبة.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} {مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ} عمل {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} أي فضرر إساءته على نفسه {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} أي بذي ظلم لقوله تعالى {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [40: 4].
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)} {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} متى تكون لا يعلمها غيره {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ} وفي قراءة ثمرة {مِّنْ أَكْمَامِهَا} أوعيتها جمع كِمّ بكسر الكاف إلا بعلمه {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيِهِمْ أَيْنَ شُرَكَءِى قَالُواْ ءاذناك} أعلمناك الآن {مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} أي شاهد بأن لك شريكاً.
{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)} {وَضَلَّ} غاب {عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} يعبدون {مِن قَبْلُ} في الدنيا من الأصنام {وَظَنُّواْ} أيقنوا {مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ} مهرب من العذاب والنفي في الموضعين معلق عن العمل وجملة النفي سدّ مسدّ المفعولين.
{لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)} {لاَّ يَسْئَمُ الإنسان مِن دُعَاءِ الخير} أي لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما {وَإِن مَّسَّهُ الشر} الفقر والشدّة {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} من رحمة الله وهذا وما بعده في الكافر.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)} {وَلَئِنِ} لام قسم {أذقناه} آتيناه {رَحْمَةً} غِنىً وصحة {مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ} شدّة وبلاء {مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِى} أي بعملي {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن} لام قسم {رُّجِّعْتُ إلى رَبِّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} أي الجنة {فَلَنُنَبّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شديد، واللام في الفعلين لام قسم.
{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)} {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان} الجنس {أَعْرَضَ} عن الشكر {وَنَئَا بِجَانِبِهِ} ثنى عطفه متبختراً، وفي قراءة بتقديم الهمزة {وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} كثير.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)} {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ} أي القرآن {مِنْ عِندِ الله} كما قال النبي {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ} أي لا أحد {أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاقٍ} خلاف {بَعِيدٍ} عن الحق؟ أوقع هذا موقع منكم بياناً لحالهم.
{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)} {سَنُرِيهِمْ ءاياتنا فِى الأفاق} أقطار السموات والأرض من النيرات والنبات والأشجار {وَفِى أَنفُسِهِمْ} من لطيف الصنعة وبديع الحكمة {حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ} أي القرآن {الحق} المنزل من الله بالبعث والحساب والعقاب، فيعاقبون على كفرهم به وبالجائي به {أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} فاعل يكف {أَنَّهُ على كُلِّ شَئ شَهِيدٌ} بدل منه، أي أوَ لم يكفهم في صدقك أنّ ربك لا يغيب عنه شيء مّا؟
{أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)} {أَلاَ إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ} شكّ {مِّن لّقَاءِ رَبّهِمْ} لإِنكارهم البعث {أَلاَ إِنَّهُ} تعالى {بِكُلِّ شَئ مُحِيطٌ} علماً وقدرة فيجازيهم بكفرهم.
{حم (1)} {حم}.
{عسق (2)} {عسق} الله أعلم بمراده به.
{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)} {كذلك} أي مثل ذلك الإِيحاء {يُوحِى إِلَيْكَ و} أوحى {إِلَى الذين مِن قَبْلِكَ الله} فاعل الإِيحاء {العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه.
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)} {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} ملكاً وخلقاً وعبيداً {وَهُوَ العلى} على خلقه {العظيم} الكبير.
{تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)} {تَكَادُ} بالتاء والياء {السموات يَتَفَطَّرْنَ} بالنون، وفي قراءة بالتاء والتشديد {مِن فَوْقِهِنَّ} أي تنشق كل واحدة فوق التي تليها من عظمة الله تعالى {والملائكة يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ} أي ملابسين للحمد {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الأرض} من المؤمنين {أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور} لأوليائه {الرحيم} بهم.
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)} {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ} أي الأصنام {أَوْلِيَاءَ الله حَفِيظٌ} مُحْصٍ {عَلَيْهِمْ} ليجازيهم {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} تُحَصِّل المطلوب منهم {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ.}
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} {وكذلك} مثل ذلك الإِيحاء {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً لِّتُنْذِرَ} تخوّف {أُمَّ القرى وَمَنْ حَوْلَهَا} أي أهل مكة وسائر الناس {وَتُنْذِرَ} الناس {يَوْمَ الجمع} أي يوم القيامة تجمع فيه الخلائق {لاَ رَيْبَ} شك {فِيهِ فَرِيقٌ} منهم {فِى الجنة وَفَرِيقٌ فِى السعير} النار.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)} {وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحدة} أي على دين واحد، وهو الإِسلام {ولكن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِى رَحْمَتِهِ والظالمون} الكافرون {مَا لَهُمْ مِّن وَلِىّ وَلاَ نَصِيرٍ} يدفع عنهم العذاب.
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)} {أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ} أي الأصنام {أَوْلِيَاءَ} أم منقطعة بمعنى: بل التي للانتقال، والهمزة للإِنكار أي ليس المتخذون أولياء {فالله هُوَ الولى} أي الناصر للمؤمنين والفاء لمجردّ العطف {وَهُوَ يُحْىِ الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ}.
{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)} {وَمَا اختلفتم} مع الكفار {فِيهِ مِن شَئ} من الدين وغيره {فَحُكْمُهُ} مردود {إِلَى الله} يوم القيامة يفصل بينكم، قل لهم {ذَلِكُمُ الله رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أرجع.
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} {فَاطِرُ السموات والأرض} مبدعهما {جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} حيث خلق حواء من ضلع آدم {وَمِنَ الأنعام أزواجا} ذكوراً وإناثاً {يَذْرَؤُكُمْ} بالمعجمة يخلقكم {فِيهِ} في الجعل المذكور، أي يكثركم بسببه بالتوالد والضمير للأناسي والأنعام بالتغليب {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ} الكاف زائدة لأنه تعالى لا مثل له {وَهُوَ السميع} لما يقال {البصير} لما يفعل.
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)} {لَّهُ مَقَالِيدُ السموات والأرض} أي مفاتيح خزائنهما من المطر والنبات وغيرهما {يَبْسُطُ الرزق} يوسِّعه {لِمَن يَشَاءُ} امتحاناً {وَيَقْدِرُ} يضيقه لمن يشاء ابتلاء {إِنَّهُ بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ}.
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً} هو أوّل أنبياء الشريعة {والذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} هذا هو المشروع الموصى به، والموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوحيد {كَبُرَ} عظم {عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد {الله يَجْتَبِى إِلَيْهِ} إلى التوحيد {مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} يُقْبِلُ إلى طاعته.
{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)} {وَمَا تَفَرَّقُواْ} أي أهل الأديان في الدين بأن وحّد بعض وكفر بعض {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العلم} بالتوحيد {بَغِيّاً} من الكافرين {بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} بتأخير الجزاء {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بتعذيب الكافرين في الدنيا {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ} وهم اليهود والنصارى {لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ} من محمد صلى الله عليه وسلم {مُرِيبٍ} موقع في الريبة.
{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)} {فَلِذَلِكَ} التوحيد {فادع} يا محمد الناس {واستقم} عليه {كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} في تركه {وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ الله مِن كتاب وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ} أي بأن أعدل {بَيْنِكُمْ} في الحكم {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم} فكل يجازى بعمله {لاَ حُجَّةَ} خصومة بأن أَعدل {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} هذا قبل أن يؤمر بالجهاد {الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} في المعاد لفصل القضاء {وَإِلَيْهِ المصير} المرجع.
{وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)} {والذين يُحَآجُّونَ فِى} دين {الله} نبيَّه {مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ} بالإِيمان لظهور معجزاته وهم اليهود {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} باطلة {عِندَ رَبّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
{اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)} {الله الذى أَنزَلَ الكتاب} القرآن {بالحق} متعلق بأنزل {والميزان} العدل {وَمَا يُدْرِيكَ} يعلمك {لَعَلَّ الساعة} أي إتيانها {قَرِيبٌ} ولعل معلق للفعل عن العمل، وما بعده سدّ مسدّ المفعولين.
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)} {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} يقولون: متى تأتي؟ ظناً منهم أنها غير آتية {والذين ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ} خائفون {مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق أَلآ إِنَّ الذين يُمَارُونَ} يجادلون {فَى الساعة لَفِى ضلال بَعِيدٍ}.
{اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)} {الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} بَرِّهم وفاجرهم، حيث لم يهلكهم جوعاً بمعاصيهم {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} من كل منهم ما يشاء {وَهُوَ القوى} على مراده {العزيز} الغالب على أمره.
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)} {مَن كَانَ يُرِيدُ} بعمله {حَرْثَ الأخرة} أي: كَسْبها وهو الثواب {نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ} بالتضعيف فيه الحسنة إلى العشر وأكثر [261: 2] {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا} بلا تضعيف ما قسم له {وَمَا لَهُ فِى الأخرة مِن نَّصِيبٍ}.
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)} {أَمْ} بل {لَهُمْ} لكفار مكة {شركاؤا} هم شياطينهم {شَرَعُواْ} أي الشركاء {لَهُمْ} للكفار {مِّنَ الدين} الفاسد {مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله} كالشرك وإنكار البعث {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل} أي القضاء السابق بأنّ الجزاء في يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} وبين المؤمنين بالتعذيب لهم في الدنيا {وَإِنَّ الظالمين} الكافرين {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم.
{تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)} {تَرَى الظالمين} يوم القيامة {مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا كَسَبُواْ} في الدنيا من السيئات أن يجازوا عليها {وَهُوَ} أي الجزاء عليها {وَاقِعٌ بِهِمْ} يوم القيامة لا محالة {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِى رَوْضَاتِ الجنات} أنزهها بالنسبة إلى من دونهم {لَهُمْ مَّا يَشَآءَونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذلك هُوَ الفضل الكبير}.
{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)} {ذَلِكَ الذى يُبَشِّرُ} من البشارة مخففاً ومثقلاً {الله عِبَادَهُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي على تبليغ الرسالة {أَجْراً إِلاَّ المودة فِى القربى} استثناء منقطع، أي لكن أسألكم أن تَوَدُّوا قرابتي التي هي قرابتكم أيضاً فإن له في كل بطن من قريش قرابة {وَمَن يَقْتَرِفْ} يكتسب {حَسَنَةً} طاعة {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} بتضعيفها {إِنَّ الله غَفُورٌ} للذنوب {شَكُورٌ} للقليل فيضاعفه.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)} {أَمْ} بل {يَقُولُونَ افترى عَلَى الله كَذِباً} بنسبة القرآن إلى الله تعالى {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ} يربط {على قَلْبِكَ} بالصبر على آذاهم بهذا القول وغيره، وقد فعل {وَيَمْحُ الله الباطل} الذي قالوه {وَيُحِقُّ الحق} يثبته {بكلماته} المنزلة على نبيه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بما في القلوب.
{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} {وَهُوَ الذى يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} منهم {وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} المتاب عنها {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} بالياء والتاء.
{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)} {وَيَسْتَجِيبُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} يجيبهم إلى ما يسألون {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)} {وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ} جميعهم {لَبَغَوْاْ} جميعهم أي طغوا {فِى الأرض ولكن يُنَزِّلُ} بالتخفيف وضده، من الأرزاق {بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ} فيبسطها لبعض عباده دون بعض، وينشأ عن البسط البغي {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}.
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)} {وَهُوَ الذى يُنَزِّلُ الغيث} المطر {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} يئسوا من نزوله {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} يبسط مطره {وَهُوَ الولى} المحسن للمؤمنين {الحميد} المحمود عندهم.
{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)} {وَمِنْ ءاياته خَلْقُ السموات والأرض} خلق {وَ مَا بَثَّ} فرق ونشر {فِيهِمَا مِن دآبَّةٍ} هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم {وَهُوَ على جَمْعِهِمْ} للحشر {إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ} في الضمير تغليب العاقل على غيره.
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} {وَمَآ أصابكم} خطاب للمؤمنين {مِّن مُّصِيبَةٍ} بلية وشدة {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} أي كسبتم من الذنوب وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} منها فلا يجازي عليه وهو تعالى أكرم من أن يثني الجزاء في الآخرة، أما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الآخرة.
{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)} {وَمَآ أَنتُمْ} يا مشركون {بِمُعْجِزِينَ} الله هرباً {فِى الأرض} فتفوتونه {وَمَا لَكُم مِّن دُونِ الله} أي غيره {مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} يدفع عذابه عنكم.
{وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)} {وَمِنْ ءاياته الجوار} السفن {فِى البحر كالأعلام} كالجبال في العظم.
{إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)} {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ} يصرن {رَوَاكِدَ} ثوابت لا تجري {على ظَهْرِهِ إِنَّ فِى ذلك لأيات لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} هو المؤمن يصبر في الشدة ويشكر في الرخاء.
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)} {أَوْ يُوبِقْهُنَّ} عطف على يسكن أي يغرقهن بعصف الريح بأهلهن {بِمَا كَسَبُواْ} أي أهلهن من الذنوب {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} منها فلا يغرق أهله.
{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)} {وَيَعْلَمَ} بالرفع مستأنف، وبالنصب معطوف على تعليل مقدر، أي يغرقهم لينتقم منهم ويعلم {الذين يجادلون فِى ءاياتنا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} مهرب من العذاب، وجملة النفي سدت مسدّ مفعولي يعلم والنفي معلق عن العمل.
{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)} {فَمَا أُوتِيتُمْ} خطاب للمؤمنين وغيرهم {مِن شَئ} من أثاث الدنيا {فمتاع الحياة الدنيا} يتمتع به فيها ثم يزول {وَمَا عِندَ الله} من الثواب {خَيْرٌ وأبقى لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ويعطف عليهم.
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} {والذين يَجْتَنِبُونَ كبائر الإثم والفواحش} موجبات الحدود من عطف البعض على الكل {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ} يتجاوزون.
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)} {والذين استجابوا لِرَبّهِمْ} أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة {وَأَقَامُواْ الصلاة} أداموها {وَأَمْرُهُمْ} الذي يبدو لهم {شورى بَيْنَهُمْ} يتشاورون فيه ولا يعجلون {وَمِمَّا رزقناهم} أعطيناهم {يُنفِقُونَ} في طاعة الله، ومَنْ ذُكِر صنف:
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)} {والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغى} الظلم {هُمْ يَنتَصِرُونَ} صنف، أي ينتقمون ممن ظلمهم بمثل ظلمه، كما قال تعالى:
{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} {سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مّثْلُهَا} سميت الثانية سيئة لمشابهتها للأولى في الصورة، وهذا ظاهر فيما يقتصّ فيه من الجراحات، قال بعضهم: وإذا قال له أخزاك الله، فيجيبه: أخزاك الله {فَمَنْ عَفَا} عن ظالمه {وَأَصْلَحَ} الودّ بينه وبين المعفوّ عنه {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} أي إن الله يأجره لا محالة {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الظالمين} أي البادئين بالظلم فيرتب عليهم عقابه.
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} {وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي ظلم الظالم إياه {فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ} مؤاخذة.
{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)} {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس وَيَبْغُونَ} يعملون {فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} بالمعاصي {أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم.
{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} {وَلَمَن صَبَرَ} فلم ينتصر {وَغَفَرَ} تجاوز {إِنَّ ذلك} الصبر والتجاوز {لَمِنْ عَزْمِ الأمور} أي معزوماتها، بمعنى المطلوبات شرعاً.
{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)} {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ مِّن بَعْدِهِ} أي أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه {وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ} إلى الدنيا {مِّن سَبِيلٍ} طريق؟
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)} {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي النار {خاشعين} خائفين متواضعين {مِنَ الذل يَنظُرُونَ} إليها {مِن طَرْفٍ خَفِىّ} ضعيف النظر مسارقة، ومن ابتدائية أو بمعنى الباء {وَقَالَ الذين ءَامَنُواْ إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} بتخليدهم في النار وعدم وصولهم إلى الحور المعدّة لهم في الجنة لو آمنوا، والموصول خبر إن {أَلاَ إِنَّ الظالمين} الكافرين {فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ} دائم هو من مقول الله تعالى.
{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)} {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُم مّن دُونِ الله} أي غيره يدفع عذابه عنهم {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} طريق إلى الحق في الدنيا وإلى الجنة في الآخرة.
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)} {استجيبوا لِرَبِّكُمْ} أجيبوه بالتوحيد والعبادة {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ} هو يوم القيامة {لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} أي إنه إذا أتى به لا يرده. {مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ} تلجؤون إليه {يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ} إنكار لذنوبكم.
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)} {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} عن الإِجابة {فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} تحفظ أعمالهم بأن توافق المطلوب منهم {إِن} ما {عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} وهذا قبل الأمر بالجهاد [4: 47] {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} نعمة كالغنى والصحة {فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ} الضمير للإِنسان باعتبار الجنس {سَيّئَةٌ} بلاء {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي قدموه وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} للنعمة.
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)} {للَّهِ مُلْكُ السموات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ} من الأولاد {إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور}.
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)} {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} أي يجعلهم {ذُكْرَاناً وإناثا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً} فلا يلد ولا يولد له {إِنَّهُ عَلِيمٌ} بما يخلق {قَدِيرٌ} على ما يشاء.
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ} أن يوحي إليه {وَحْياً} في المنام أو بإلهام {أَوْ} إلا {مِن وَرَاء حِجَابٍ} بأَن يسمعه كلامه ولا يراه كما وقع لموسى عليه السلام {أَوْ} إِلا أَن {يُرْسِلَ رَسُولاً} ملكاً كجبريل {فَيُوحِىَ} الرسول إلى المرسل إِليه أَي يكلمه {بِإِذْنِهِ} أي الله {مَا يَشَاءُ} الله {إِنَّهُ عَلِىٌّ} عن صفات المحدثين {حَكِيمٌ} في صنعه.
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} {وكذلك} أي مثل إيحائنا إلى غيرك من الرسل {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمد {رُوحاً} هو القرآن به تحيا القلوب {مِنْ أَمْرِنَا} الذي نوحيه إليك {مَا كُنتَ تَدْرِى} تعرف قبل الوحي إليك {مَا الكتاب} القرآن {وَلاَ الإيمان} أي شرائعه ومعالمه والنفي معلق للفعل عن العمل وما بعده سد مسدّ المفعولين {ولكن جعلناه} أي الروح أو الكتاب {نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى} تدعو بالوحي إليك {إلى صراط} طريق {مُّسْتَقِيمٍ} دين الإِسلام.
{صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} {صراط الله الذى لَهُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض} ملكاً وخلقاً وعبيداً {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} ترجع.
{حم (1)} {حم} الله أعلم بمراده به.
{وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} {والكتاب} القرآن {المبين} المظهر طريق الهدى وما يحتاج إليه من الشريعة.
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} {إِنَّا جعلناه} أوجدنا الكتاب {قرءانا عَرَبِيّاً} بلغة العرب {لَعَلَّكُمْ} يا أهل مكة {تَعْقِلُونَ} تفهمون معانيه.
{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} {وَإِنَّهُ} مثبت {فِى أُمِّ الكتاب} أصل الكتب أي اللوح المحفوظ {لَدَيْنَا} بدل عندنا {لَّعَلِىٌّ} على الكتب قبله {حَكِيمٌ} ذو حكمة بالغة.
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)} {أَفَنَضْرِبُ} نمسك {عَنكُمُ الذكر} القرآن {صَفْحاً} إمساكاً فلا تؤمرون ولا تنهون لأجل {أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} مشركين؟ لا.
{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6)} {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى الأولين}.
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7)} {وَمَا يَأْتِيهِم} أتاهم {مِّنْ نَّبِىٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} كاستهزاء قومك بك وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم.
{فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)} {فَأَهْلَكْنآ أَشَدَّ مِنْهُم} من قومك {بَطْشاً} قوة {ومضى} سبق في إثبات {مَثَلُ الأولين} صفتهم في الإِهلاك فعاقبة قومك كذلك.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} {وَلَئِنِ} لام قسم {سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَّيَقُولَنَّ} حذف منه نون الرفع لتوالي النونات. وواو الضمير لالتقاء الساكنين {خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} آخر جوابهم اي الله ذو العزة والعلم، زاد تعالى:
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)} {الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً} فراشاً كالمهد للصبي {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} طرقاً {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى مقاصدكم في أسفاركم.
{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)} {والذى نَزَّلَ مِنَ السمآء مآءً بِقَدَرٍ} أي بقدر حاجتكم إليه ولم ينزله طوفاناً {فَأَنشَرْنَا} أحيينا {بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كذلك} أي مثل هذا الإِحياء {تُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياء.
{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)} {والذى خَلَقَ الأزواج} الأصناف {كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك} السفن {والأنعام} كالإِبل {مَا تَرْكَبُونَ} حذف العائد اختصاراً، وهو مجرور في الأول، أي فيه منصوب في الثاني.
{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)} {لِتَسْتَوُاْ} لتستقروا {على ظُهُورِهِ} ذكَّر الضمير وجمع الظهر نظراً للفظ ما ومعناها {ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سبحان الذى سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مطيقين.
{وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} {وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} لَمنصرفون.
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)} {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} حيث قالوا الملائكة بنات الله لأن الولد جزء من الوالد، والملائكة من عباد الله تعالى {إِنَّ الإنسان} القائل ذلك {لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} بيِّن ظاهر الكفر.
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)} {أَمْ} بمعنى همزة الإِنكار والقول مقدر، أي أتقولون {اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} لنفسه {وأصفاكم} أخلصكم {بالبنين}؟ اللازم من قولكم السابق فهو من جملة المنكر.
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)} {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً} جعل له شبهاً بنسبة البنات إليه، لأن الولد يشبه الوالد، المعنى: إذا أخبر أحدهم بالبنت تولد له {ظَلَّ} صار {وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} متغيراً تغير مغتم {وَهُوَ كَظِيمٌ} ممتلئ غماً فكيف ينسب البنات إليه؟ تعالى عن ذلك.
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)} {أَوَ} همزة الإِنكار وواو العطف بجملة أي يجعلون لله {مَن يُنَشَّؤُاْ فِى الحلية} الزينة {وَهُوَ فِى الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} مظهر الحجة لضعفه عنها بالأنوثة؟
{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} {وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عباد الرحمن إناثا أَشَهِدُواْ} حضروا {خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شهادتهم} بأنهم إناث {وَيُسْئَلُونَ} عنها في الآخرة فيترتب عليها العقاب.
{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)} {وَقَالُواْ لَوْ شآءَ الرحمن مَا عبدناهم} أي الملائكة فعبادتنا إياهم بمشيئته فهو راض بها. قال تعالى: {مَّا لَهُم بذلك} المقول من الرضا بعبادتها {مِّنْ عِلْمٍ إِن} مَا {هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبون فيه فيترتب عليهم العقاب به.
{أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)} {أَمْ ءاتيناهم كتابا مِّن قَبْلِهِ} أي القرآن بعبادة غير الله {فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} أي لم يقع ذلك.
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)} {بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابآءَنَا على أُمَّةٍ} ملة {وَإِنَّا} ماشون {على ءاثارهم مُّهْتَدُونَ} بهم وكانوا يعبدون غير الله.
{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} {وكذلك مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهآ} متنعموها مثل قول قومك {إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابآءَنَا على أُمَّةٍ} ملة {وَإِنَّا على ءاثارهم مُّقْتَدُونَ} متبعون.
{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)} {قال} لهم {أَ} تتبعون ذلك {وَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابآءَكُمْ قَالُواْ إِنَّا بِمآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أنت ومن قبلك {كافرون}.
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)} قال تعالى تخويفاً لهم {فانتقمنا مِنْهُمْ} أي من المكذبين للرسل قبلك {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين}.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)} {وَ} اذكر {إِذْ قَالَ إبراهيم لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَآءٌ} أي بريء {مِّمَّا تَعْبُدُونَ}.
{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)} {إِلاَّ الذى فَطَرَنِى} خلقني {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} يرشدني لدينه.
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)} {وَجَعَلَهَا} أي كلمة التوحيد المفهومة من قوله {إِنِّى ذَاهِبٌ إلى رَبِّى سَيَهْدِينِ} [99: 37] {كَلِمَةً باقية فِى عَقِبِهِ} ذرّيته فلا يزال فيهم من يوحِّد الله {لَعَلَّهُمْ} أي أهل مكة {يَرْجِعُونَ} عما هم عليه إلى دين إبراهيم أبيهم.
{بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)} {بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاءآء} المشركين {وَءَابآءَهُمْ} ولم أعاجلهم بالعقوبة. {حتى جَآءَهُمُ الحق} القرآن {وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} مظهر لهم الأحكام الشرعية، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)} {وَلَمَّا جَآءَهُمُ الحق} القرآن {قَالُواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافرون}.
{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)} {وَقَالُواْ لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مِّنَ القريتين} من أية منهما {عَظِيمٍ} أي الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.
{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)} {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} النبوّة {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى الحياة الدنيا} فجعلنا بعضهم غنياً وبعضهم فقيراً {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ} بالغنى {فَوْقَ بَعْضٍ درجات لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم} الغنيّ {بَعْضًا} الفقير {سُخْرِيّاً} مسخراً في العمل له بالأجرة. والياء للنسب، وقرئ بكسر السين {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} أي الجنة {خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} في الدنيا.
{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)} {وَلَوْلآ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} على الكفر {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} بدل من لمن {سُقُفاً} بفتح السين وسكون القاف، وبضمهما جمعاً {مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ} كالدرج من فضة {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يعلون إلى السطح.
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34)} {وَلِبُيُوتِهِمْ أبوابا} من فضة {وَ} جعلنا لهم {سُرُراً} من فضة جمع سرير {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ}.
{وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)} {وَزُخْرُفاً} ذهباً، المعنى: لولا خوف الكفر على المؤمن من إعطاء الكافر ما ذكر لأعطيناه ذلك لقلة خطر الدنيا عندنا وعدم حظه في الآخرة في النعيم {وَإِنْ} مخففة من الثقيلة {كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا} بالتخفيف فما زائدة، وبالتشديد بمعنى إلا فإن نافية {متاع الحياة الدنيا} يتمتع به فيها ثم يزول {والأخرة} الجنة {عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}.
{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)} {وَمَن يَعْشُ} يعرض {عَن ذِكْرِ الرحمن} أي القرآن {نُقَيِّضْ} نسبب {لَهُ شيطانا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} لا يفارقه.
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} {وَإِنَّهُمْ} أي الشياطين {لَيَصُدُّونَهُمْ} أي العاشين {عَنِ السبيل} أي طريق الهدى {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} في الجمع رعاية معنى من.
{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)} {حتى إِذَا جَآءَنَا} العاشي بقرينه يوم القيامة {قَالَ} له {يَا} للتنبيه {لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} أي مثل بُعد ما بين المشرق والمغرب {فَبِئْسَ القرين} أنت لي.
{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)} قال تعالى: {وَلَن يَنفَعَكُمُ} أي العاشين تمنيكم وندمكم {اليوم إِذ ظَّلَمْتُمْ} أي تبين لكم ظلمكم. بالإشراك في الدنيا {أَنَّكُمْ} مع قرنائكم {فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ} عله بتقدير اللام لعدم النفع وإذ بدل من اليوم.
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)} {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِى العمى وَمَن كَانَ فِى ضلال مُّبِينٍ} بيّن؟ أي فهم لا يؤمنون.
{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)} {فَإِمَّا} فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة {نَذْهَبَنَّ بِكَ} بأن نميتك قبل تعذيبهم {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} في الآخرة.
{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)} {أَوْ نُرِيَنَّكَ} في حياتك {الذى وعدناهم} به من العذاب {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ} على عذابهم {مُّقْتَدِرُونَ} قادرون.
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)} {فاستمسك بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ} أي القرآن. {إِنَّكَ على صراط} طريق {مُّسْتَقِيمٍ}.
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)} {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ} لشرف {لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} لنزوله بلغتهم {وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} عن القيام بحقه.
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)} {وَسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن} أي غيره {ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ} قيل هو على ظاهره بأن جمع له الرسل ليلة الإِسراء، وقيل المراد: أمم مِن أيِّ أهل الكتابين، ولم يسأل على واحد من القولين لأنّ المراد من الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول من الله ولا كتاب بعبادة غير الله.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)} {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} أي القبط {فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ العالمين}.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)} {فَلَمَّا جَآءَهُم بئاياتنآ} الدالة على رسالته {إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ}.
{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)} {وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ ءَايَةٍ} من آيات العذاب كالطوفان، وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام، والجراد {إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} قرينتها التي قبلها {وأخذناهم بالعذاب لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن الكفر.
{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)} {وَقَالُواْ} لموسى لما رأوا العذاب {ياأيه الساحر} أي العالم الكامل لأنّ السحر عندهم علم عظيم {ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} من كشف العذاب عنا إنْ آمنا {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} أي مؤمنون.
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)} {فَلَمَّا كَشَفْنَا} بدعاء موسى {عَنْهُمُ العذاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ينقضون عهدهم ويصرّون على كفرهم.
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)} {ونادى فِرْعَوْنُ} افتخاراً {فِى قَوْمِهِ قَالَ ياقوم أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار} أي من النيل {تَجْرِى مِن تَحْتِى} أي تحت قصوري؟ {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} عظمتي.
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)} {أَمْ} تبصرون؟ وحينئذ {أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هذا} أي موسى {الذى هُوَ مَهِينٌ} ضعيف حقير {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} يظهر كلامه للثغته بالجمرة التي تناولها في صغره.
{فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)} {فَلَوْلا} هلا {أُلْقِىَ عَلَيْهِ} إن كان صادقاً {أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} جمع (أسْوِرة) كأغربة جمع سوار. كعادتهم فيمن يسوّدونه أن يلبسوه أسورة ذهب ويطوّقونه طوق ذهب {أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ} متتابعين يشهدون بصدقه.
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)} {فاستخف} استفز فرعون {قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} فيما يريد من تكذيب موسى {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين}.
{فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)} {فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا} أغضبونا {انتقمنا مِنْهُمْ فأغرقناهم أَجْمَعِينَ}.
{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)} {فجعلناهم سَلَفاً} جمع سالف كخادم وخدم: أي سابقين، عبرة {وَمَثَلاً لِّلأَخِرِينَ} بعدهم يتمثلون بحالهم فلا يقدمون على مثل أفعالهم.
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)} {وَلَمَّا ضُرِبَ} جعل {ابن مَرْيَمَ مَثَلاً} حين نزل قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [98: 21] فقال المشركون: رضينا أن تكون آلهتنا مع عيسى لأنه عُبِدَ من دون الله {إِذَا قَوْمُكَ} أي المشركون {مِنْهُ} من المثل {يَصِدُّونَ} يضحكون فرحاً بما سمعوا.
{وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)} {وَقَالُواْ ءأالهتنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} أي عيسى فنرضى أن تكون آلهتنا معه {مَا ضَرَبُوهُ} أي المثل {لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} خصومة بالباطل لعلمهم أن «ما» لغير العاقل فلا يتناول عيسى عليه السلام {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} شديدو الخصومة.
{إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)} {إِنْ هُوَ} ماعيسى {إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بالنبوّة {وجعلناه} بوجوده من غير أب {مَثَلاً لِّبَنِى إسراءيل} أي كالمثل لغرابته. يستدل به على قدرة الله تعالى على ما يشاء.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)} {وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ} بدلكم {ملائكة فِى الأرض يَخْلُفُونَ} بأن نهلككم.
{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)} {وَإِنَّهُ} أي عيسى {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} تعلم بنزوله {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} أي تشكن فيها، حذف منه نون الرفع للجزم، وواو الضمير لالتقاء الساكنين {وَ} قل لهم {اتبعون} على التوحيد {هذا} الذي آمركم به {صراط} طريق {مُّسْتَقِيمٌ}.
{وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)} {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ} يصرفنكم عن دين الله {الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} بيِّن العداوة.
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)} {وَلَمَّا جآءَ عيسى بالبينات} بالمعجزات والشرائع {قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} بالنبوّة وشرائع الإِنجيل {وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} من أحكام التوراة من أمر الدين وغيره فبيَّن لهم أمر الدين {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)} {إِنَّ الله هُوَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط} طريق {مُّسْتَقِيمٌ}.
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)} {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} في عيسى. أهو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة؟ {فَوَيْلٌ} كلمة عذاب {لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفروا بما قالوه في عيسى {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} مؤلم.
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)} {هَلْ يَنظُرُونَ} أي كفار مكة، أي ما ينتظرون {إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ} بدل من الساعة {بَغْتَةً} فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بوقت مجيئها قبله.
{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)} {الأخلآء} على المعصية في الدنيا {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة متعلق بقوله {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} المتحابين في الله على طاعته فإنهم أصدقاء، ويقال لهم:
{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)} {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
{الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)} {الذين ءَامَنُواْ} نعت لعبادي {بئاياتنا} القرآن {وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ}.
{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)} {ادخلوا الجنة أَنتُمْ} مبتدأ {وأزواجكم} زوجاتكم {تُحْبَرُونَ} تسرون وتكرمون، خبر المبتدأ.
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)} {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ} بقصاع {مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ} جمع كوب وهو إناء لا عروة له ليشرب الشارب من حيث شاء {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس} تلذذاً {وَتَلَذُّ الأعين} نظراً {وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون}.
{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)} {وَتِلْكَ الجنة التى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)} {لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ مِّنْهَا} أي بعضها {تَأْكُلُونَ} وكل ما يؤكل يخلف بدله.
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)} {إِنَّ المجرمين فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون}.
{لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)} {لاَ يُفَتَّرُ} يخفف {عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} ساكتون سكوت يأس.
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)} {وَمَا ظلمناهم ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين}.
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)} {وَنَادَوْاْ يامالك} هو خازن النار {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ليمتنا {قَالَ} بعد ألف سنة {إِنَّكُمْ ماكثون} مقيمون في العذاب دائماً.
{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} قال تعالى: {لَقَدْ جئناكم} أي أهل مكة {بالحق} على لسان الرسول {ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارهون}.
{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)} {أَمْ أَبْرَمُواْ} أي كفار مكة: أحكموا {أمْراً} في كيد محمد النبي صلى الله عليه وسلم {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} محكمون كيدنا في إِهلاكهم.
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونجواهم} ما يسرون إلى غيرهم وما يجهرون به بينهم {بلى} نسمع ذلك {وَرُسُلُنَا} الحفظة {لَدَيْهِمْ} عندهم {يَكْتُبُونَ} ذلك.
{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)} {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} فرضاً {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} للولد لكن ثبت أن لا ولد له تعالى، فانتفت عبادته.
{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)} {سبحان رَبِّ السماوات والأرض رَبِّ العرش} الكرسي {عَمَّا يَصِفُونَ} يقولون من الكذب بنسبة الولد إليه.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)} {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ} في باطلهم {وَيَلْعَبُواْ} في دنياهم {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ} فيه العذاب وهو يوم القيامة.
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)} {وَهُوَ الذى} هو {فِى السمآء إله} بتحقيق الهمزتين وإسقاط الأولى وتسهيلها كالياء. أي معبود {وَفِى الأرض إله} وكل من الظرفين متعلق بما بعده {وَهُوَ الحكيم} في تدبير خلقه {العليم} بمصالحهم.
{وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)} {وَتَبَارَكَ} تعظم {الذى لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} متى تقوم؟ {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} بالياء والتاء.
{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)} {وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ} يعبدون، أي الكفار {مِن دُونِهِ} أي: من دون الله {الشفاعة} لأحد {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} أي قال: لا إله إلا الله {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم. وهم: عيسى وعزير والملائكة، فإنهم يشفعون للمؤمنين.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)} {وَلَئِن} لام قسم {سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} حذف منه نون الرفع وواو الضمير {فأنى يُؤْفَكُونَ} يصرفون عن عبادة الله؟.
{وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)} {وَقِيلِهِ} أي قول محمد النبي صلى الله عليه وسلم. ونصبه على المصدر بفعله المقدر: أي وقال {يارب إِنَّ هؤلاءآء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ}.
{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)} قال تعالى: {فاصفح} أعرض {عَنْهُمْ وَقُلْ سلام} منكم. وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم [4: 47] {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} بالتاء والياء تهديد لهم.
|